الأربعاء، أغسطس 11، 2010

مقتبس من كتاب مدرسة الصوم (1)



اللهم أهله علينا بالأمن والإيمان ِوالسلام ِ والإسلام والتوفيق ِ لما تحبه وترضى . ربُنا وربك الله.
اللهم أجعله هلال خير ورشد.
اللهم إني أسألك من خيرِ هذا الشهرِ وخيرِ القَدَرِ , وأعوذ بك من شرَّه .
مدرسة الصوم

لا تحسبوا أيها الناس أن المقصود من الصيام , هو هذه الأيام المعدودات , التي تأتينا كل عام , ثم تنتهي , وتعود بعدها للناس حياتها الرتيبة , يعبون من شهواتها عبا, لا يبالون بمال من أين اكتسبوه ولا طعام سحت كيف أكلوه .لا فما لهذا شرع الصيام (وسبحان من تنزه عن العبث في تشريعه) .
ما شرع هذا الصيام لشهر , ولا لعام , لا , بل ولا للحياة فرد , ولا لنظام أمة خاصة , ولا لجيل من الناس يعمر ما يعمر ثم ينقضي , بل هو شريعة الإنسان في سموها , ودينها عند كمالها , ينظم عقد الإنسانية الذي إنفرض , ويجمع شملها الذي تفرق , ويوحد بينها في الشعور والإحساس - وما أشبه الصوم للإنسانية (بالدينامو) الذي ما فتيء يمدها بكهربائه فيضيئ لها  على الدوام سبل الحياة الرشيدة ومتى شحنت النفس بتيار الإيمان وتربى معها الضمير الحي سلكت في سيرها العملي طريقاً سوياً لصالح الفرد والجماعة .
فكل ما يظهر في الأمم والأفراد من أعمال , إنما مصدرها نفوسهم , وعلى قدر ما تحمل هذه النفوس من صفاء وإشراق , بقدر ما تمنح ذالك للناس بردا وسلام.
الصوم يخضع من كبرياء النفس ويمسك بناصيتها –ومن الميسور على النفس إن لانت تسرع في سائر نواحي الطاعات , وصدق الرسول القائل ((ان في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب )) أخرجه البخاري ومتي شاهدت جدباً في أرض أعمال الناس الطيبة , أو ملوحة في أنهار البذل والإنفاق أو أبصرت أشواكاً في الناس وكلاليب وذئاباً , فأعلموا أن هذا الظاهر النجس الدنس إنما مصدره , جدب النفوس , وملوحة القلوب , وغلظة الأفئدة .
الصلاة بطهارتها وأعمالها ومواقيتها , وجمعتها وجماعاتها – والزكاة بما فيها من بذل لشقيق الروح وانتقاص من المال للسائل والمحروم , والحج بما فيه من تعب السفر في البر والبحر , وإنفاق الغلي , والجهاد في سبيل الله بويلاته وأهواله وصبره وجلاده , ومعاملة الناس بالحسنى , والانتصار للحق , والغضب لله , والرضى لأجله –كل هذه المظاهر تحتاج لقلب مؤمن ونفس راضية فاهمة
ولعلكم فهمتوا الآن خطورة الصيام وتغلغله في سائر نواحي الدنيا والآخرة , ولهذا حثنا الله على الإكثار منه في سائر أيام العام , وفي الأسبوع يومان , وفي الشهر ثلاث أيام , حتى يكون هذا الصوم الفرعي مذكراً بمركزه العام وشهر رمضان وما أشبه صوم النوافل بالتمرينات المناورات العسكرية , لئلا ينسى الجنود _ فالإكثار منه يبقي الفضيلة التي اكتسبناها من رمضان غضة طرية , ولا يبليها طول العهد وتقادم الأيام , وسبحان من سوى في الصيام بين الفقير والغنى , لأنهما أحوج ما يكونان إلى النفس الكريمة التي تدفع بطر الغني ويأس ألفقير وخنوعه , فتحد من جشع الأولى وترفع من انحطاط الثاني , وهنا تتقارب الطبقات وتقل الحواجز التي أوغرت الصدور , ويحيا الجميع في سلام ووئام وصدق الله العظيم
((سورة البقرة ( شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ
يتبع