الأحد، أغسطس 15، 2010

مدرسة الصوم (५)


تكملة آثار الصوم في صحة العقول والأرواح(5)
الصوم يربى النفس على مراقبة الله في كل حال , ويعود صاحبه على الإخلاص في أداء الأعمال , لا يبتغي من ورائها إلا ربه ودينه ووطنه والصالح العام , فإن الصوم سر بين العبد ومولاه يستطيع المرء أن ينافق فيه , وأن يظهر منه للناس خلاف ما يبطن , فاذا ما أداه العبد مخلصاً مستوياً سره مع علنه , وكبح جماح نفسه بعزيمة ثابتة لا تتبدل ولا تتغير , ولا يمسكها عليه رقيب غير وازعه الديني وضميره الإنساني , إذا ما فعل ذالك فقد صان الأمانة , وصار من الله في مكانه الرضى , وإذا أدرك الإنسان هذه القوة من الإرادة العملية فقد أدرك أجل منزلة إجتماعية دينية سامية , فتراه يسير في الحياة قوياً غير متناغض يؤدي حق وطنه كوطني متحمس , وهو كمسلم يقوم بأداء حق الله على ما أراد ربه
وأي فضيلة أفضل من أن تكون شهوات الإنسان تابعة لسليم أفكاره مستسلمة للضمير الحى , موافقة للقانون الديني ,الذي ملك نفسه واستولى على مشاعره , فصار يحيا به وله وفيه , ورحم الله المؤمن , الذي أغراه إنسان على معصية الله قائلاً له : (( انه لن يرانا إلا الكواكب )) فقال المؤمن المراقب لله : أنت نظرت إلى الكواكب ولكن أين مكوكبها ؟ ذالك بأن الصوم وديعة الله يجب أن تؤدى على أكمل وجه وفي الحديث
(( ان الصوم أمانة فليحفظ أحدكم أمانته )) أخرجه الخرائطى بسند حسن
إن المجاهد من جاهد نفسه وهواه . وشيطانه ودنياه , فإن الإنتصار على عدو الميدان أمر في متناول الكثير فما هو إلا طعنة أو طلقة يموت صاحبها بعدها فيستريح ويلقي الله شهيدأ مكرماً أو يموت بها عدوه فينال أجره , وما أكثر الذين يقدمون الموت راضين بل مسرعين , أما هذه العداوة الذاتية فهى من باطن الشخص وداخله تشاكسه وتفتنه وتناوئه وتحاربه , وكم لاقى ابن آدم من تلك الجهات الأربع ما لاقى من عنت
ونصب
إني ابتليت بأربع ما سلطوا @@@إلا لجلب متاعبي وعنائى
أبليس والدنيا ونفسيى والهوى @@@كيف النجاة وكلها أعدائي

فالجهاد الأكبر هو جهاد هذه الشرور , المنبعثة من هذه النواحي , والإنتصار الساحق هو الإنتصار في تلك الميادين الحاسمة وبهذا تعلموا مزية الصوم الذي هو إنتصار تام على عوامل النفس ووساوس الشيطان وفتن الحياة الفاتنة ومن الأحرى أن يكون الصائم المنتصر أكبر نصر على سائر الشرور الأخرى , وصلى الله على من قال(( المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده , والمؤمن من أمنه الناس على دمائهم وأموالهم , والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه))