السبت، أغسطس 14، 2010

مدرسة الصوم (4)



مدرسة الصوم (4)
لقد رأينا رأي الطب في فوائد الصيام على الجسم, ومعلوم أن سلامة العقول من سلامة الأبدان , والحكمة تقول : << العقل السليم في الجسم السليم >> ولن تظفر من إنسان عليل , بفهم صائب ولا رأى سديد , فالصوم يفيض على العقل إشراقاً وصفاء , يستطيع به تمييز الخبيث من الطيب , والضار من النافع فتحلق الروح في آفاقها العلوية تتلمس النور من سمائها المشرقة , وتتلقى فيوضات ربها , غير ممنوعة بمادة ولا محجوزة بصارف , تتفهم عن الله ما أراد , سباقه الى مرضاته .
وللصوم في تربية النفس على ملكة الصبر الأثر الذي لا يجحد فان عبداً يمكث الســــــــــاعات الطويلة _ وقد يكون الصوم صيفاً _ صابراً عن تناول شهواته مع شدة شغفه وميله أليه , ومع وفرة الفتن وكثرة المغريات , لا شك أنه بالمصابرة مع نفسه على هذا الحال شهراً كاملاً , يصبح الصبر لديه طبعاً راسخاًوخلقاً أصيلاً --- وملكة الصبر أم الملكات الأخلاقية فلا يقوى على التنقل والكفاح في الحياة إلا صابراً ولا يغالب الأيام إلا صابراً ولا يصل إلى الحقائق العلمية إلا صابراً ولا يستطيع كشف أسرار الوجود بالبحث والتفكير إلاصابراً ولا يجود بنفسه وماله إلا صابراً ولا يعبد الله حق عبادته إلا صابراً , قال كرم الله وجه (( الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد )) وفي الحديث (( الصوم نصف الصبر , والصبر نصف الإيمان )) أخرجه الترمذي والبيهقي وأبو نعيم والخطيب بسند حسن .
وللصوم أثره في إجاد الطمأنينة في النفس , والاستقرار , وعدم ذهاب العقل شعاً مع أى مفاجأة ( وما أكثر المفا جـــآت والدهر قلب ) فلا تنزع النفس بترك ما ألفته , ومخالفة ما أعتادته , فهي تقبل طعام الصباح في المساء وطعام المساء في الصباح , وتصبر على الظمأ في الحر , والجوع في القر , لتأليف الصدمات إذا ما انتابتها , وقوى على الحوادث إذا نزلت على غير توقع (( وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم )