الاثنين، أكتوبر 24، 2011

الكتاب الأخضر والقراءات الحمراء


مات القذافي والموت حق، لاشماتة في الموت، ترحّموا على موتاكم، بل وأذكروا الأموات محاسنهم .. الكلّ يموت، (من لم يمت بسيفي مات بغيره .. تعدّدت الأسباب والموت واحد /المتنبّي) .. لا وقفة لنا مع الموت بعد الموت، فالموت واحد .. لكن، وإن توقفنا على الأسباب، فالأسباب متعددة.!
 
هلّل الليبيون على موت القذافي وهذا خطأ، وأعتبر الكثيرون ان موت مواطن ليبي واحد إسمه القذافي، هو بداية ليبيا الجديدة، لسبعة ملايين ليبيين متعطشين للحرية، وهذا ايضا خطأ .. لا ينسى القاتل الواقف على جثة القتيل، أن هذا المقتول هو ذاته كان يقف قبل أربعين سنة على جثة مواطن ليبي آخر مهلّلا أن موت الملك الليبي آنذاك (إدريس السنّوسي) هو بداية إنطلاقة جديدة للشعب الليبي برمّته.!
 
لا غفلة أن يتواجد اليوم بين المُهلّلين من كان يوما هو رأس المنافقين.! إذ المنافق عادة يتصدّر المُهلّلين في مثل هذه الحالات، إن كان هو اليوم بينهم بالتهاليل والزغاريد، فكان يوما يجلس في الصفوف الأولى للمنافقين بالتصفيقات، ينسب الفضائل لمن ينسب له اليوم الرذائل، وكان يعدّد الأمجاد لمن لم يحققها، يدخل على هذا ليحمده ويدخل على ذاك ليثني عليه، وهو بين الحمد والثناء يذهب الى ثالث ليلعن الأول والثاني..! ثم يعود لزوجته خالعا ثوب النفاق، لأن زوجته بأطفاله يطالبونه النفقات ولايعطونه الكماليات مهما نافقهم وجاملهم، وهو بعلم اليقين ان النفاق خارج البيت سلعة، وفي داخله خلعة ..!
 
حذار ان يتصدركم ايها المُتهلّلون، من كان بالأمس في رأس قائمة المنافقين، (السيد المنافق) ليس بوجهين، بل له وجوه ووجوه، وهو بقراءات وقراءات، فإنه قد يُقبّل القرآن امام القرآنيين، ويقدّس التوراة بين التوارتيين، ويُمجّد الإنجيل مع الإنجيليين، ثم يذهب لأهل الزبور بالعود والجيتار والزنبور، وفي ذاته من الداخل هو لايجيد من كتاب الله آيتين.!
 
وهو ذاته إن كان يُمجّد يوما بالكتاب الأخضر حتى بين الصفاء والمروة والركن والمقام، ليُرى العالم إخضرار كتابه، فلا تستبعدوه اليوم هو أول من يصبغ ليُظهر الأحمر قبل الأخضر.!
 
ليبيا ليست بعيدة عنا كما تصوره الخرائط بذلك القدر من البُعد الجغرافي، ليبيا كانت حقا ليبيا كل العرب، ليبيا ظلّت فعلا الخيمة المفتوحة التي لم تفرض التأشيرات على العرب، علاقاتنا بليبيا الشقيقة لم تكن نفطية تصدّر و تستورد من البعض النفظ والغاز ومشتقات البترول، بل ورغم عضويتنا الإنتاجية الخليجية الفعّألة بين أوائل الأقطارالمصدّرة للنفط بمنظمتى (الأوبك OPEC و الأوابك OAPEC) .. إلا أن الإستيراد والتصدير بين ليبيا ودول الخليج كان بسلع أساسية لإنسان عروبة البادية وقرآن الإسلام، فلم تكن ليبيا والخليج للنفط بالنفط، قدرما كانت بالقرآن والإنسان.
 
ليبيا الشقيقة من الخليج الى المحيط لنا ونحن لها، بعروبة سماتها مشتركة: (من التراث والعقيدة والمناخ والعادات والتقاليد) .. وبأواصر مشتركة تربط البعض بالكل والكل بالبعض .. الدول الناطقة بالضّاد والمقنّنة بالكتاب والسنة، إن كانت السماء قرّبتها من بعضها مهما تباعدت بينها المسافات، فمن واجب أهل الأرض من الناطقين بالضاد والمطبقين للكتاب والسنة، أن لا يُفرّقوا بين ليبي وصومالي، أو سعودي وأندونيسي أو كويتي وأفغاني، فنحن لك بالدعاء ياليبيا أن لا تصيبك أنفلونزا العراق، وكوليرا أفغانستان ولا ملاريا فلسطين.
 
أيام الحصار حملتُ جواز سفري قبل حوالي خمسة عشرة سنة، وقطعتُ عشرة آلاف كيلومتر جوّا نحو ليبيا الشقيقة عبر جزيرة جربة/تونس، ثم بحرا عبر جزيرة مالطا، وقبلهما برّا عبر حدود راس الجُدير، ما وجدت الليبيين يقرأون بالكتاب الأخضر بدل القرآن بعد الصلاة وقبل الإفطار كما كنت أخشى، إنهم كانوا بسدود قرآن أم القرى المتفق عليه من الحدود الى الحدود.
 
وإن عدنا إلى (هذه الدنيا كتابٌ).. في إشارة إلى دنيا الكتاب الملوّن بالأحمر والأخضر والأصفر والأسود، وبالتناقضات والتدافعات، روّادها الإنسان يدفع الإنسان ويسحقه الإنسان، ناهيك عن البهائم والحيوانات المفترسة .. ووزّعنا (على سبيل الإفتراض):
 
"جانبا من هذه الدنيا بقطيع من الأبقار والجواميس مع اللحوم الطازجة الحمراء، ثم أشغلنا الجانب الآخر منها بالأسود والنمور والذئاب مع الأعلاف والبراسيم، ونصبنا بينهما حواجز فولاذية فوقها كاميرات خفية تراقب التدافع! .. يا ترى هل سيحصل التدافع.؟ أم سيطول الإنتظار.؟ ..
 
فالذئب لا يأكل الذئب والأسد لايفترس النمر، ولا الأبقار والجواميس تأكل اللحوم .. وكما الذئب يبقى ذئبا مهما إفترس اللحوم، كذلك البقر يبقى بقرا مهما إلتهم العلف"
 
ولكن الإنسان بالكتاب يترفّع عن الحيوان، إذاعرف كيف يأكل الكتاب بعضلات فكره لعقله لابنواجذ أسنانه لمصارينه، إنسانُ يوم إختتم قراءة كتاب يختلف، عن يومه الذي كان قد بدأ بقراءته .. رسالةٌ نستشفّها من مقولة رابع الخلفاء الراشدين الإمام علي كرّم الله وجهه: (من تساوى يوماه فهو مغبونٌ)..
 
أحبّتي دعونا نرفع الكتب السماوية المقدسة ونترفّعُ بها كإنسان الأرض، يقرأه كلٌّ بعقيدته مع إحترام الآخر، لن نختلف على لون الغلاف، فنصافح العنوان، ونعانق المحتوى، وقد نخوض المؤلف معركة الآراء، لا نوافقه على كل ما طبع ونشر، البعض نوافقه، والبعض نخالفه، ثم نتمرّد على البعض الآخر، وهي أحلى المعارك التي لن تقودنا بهروات العصى وسيوف البلطجية في شوارع ما يُطلق عليها اليوم بالربيع العربي، معركةٌ  يترفّعُ بها الإنسان الناطق عن الحيوان الصامت والمفترس، معركة الرأي السليم والرأي الآخر المسالم.
 
من مات وقد ألّف كتابا قد مات شهيدا، الميت الذي يترك جنب نعشه مفتاح سيارة فارهة، قد تلهفها الشمش وتأكلها الرطوبة، إن لم يتهور بها وريثه المراهق أداة قتل في الشوارع .. لكن الميت الذي لم يأخذ في نعشه أفكاره النيّرة إلى القبر، وتركها في مخطوطة نادرة للورثة، هو بمثابة ذلك الفارس الذي سقط الميدان صريعا، ليعيش اطول ممن مات على فراشه وإن مات قبل الأخير.
 
إذن كل الألوان ستضمحلّ وتتلاشي امام لون الكتاب الصادق  فأقرأوه .. إنه قنديلٌ وقودُه ملفات أهل القبلة وأهل الكتاب وأهل العلم وأهل التكنولوجيا، ولأنها إنفردت بإفتتاحية (إقرأ) على ملفّات كل من كان ولازال يقطن كوكب الأرض، ممن كان يأكل لحم اخيه ميتا، او كان يدفن إبنته حية، فجاءت السماء بالكلمة التي رفعته من البهيمية الى هذا القدر من الإنسانية.
 
وهى كلمة الوحي الأولى في ملفات أهل القبلة: (إقرأ) .. فلنقرأ في ليبيا وفي الصومال وفي الأرجنتين واليونان وفي القدس المحتلة قبل اي مكان.
منقول  


بقلم الكاتب الامارتي المبدع  أحمد أبراهيم