الأربعاء، يوليو 20، 2011

مقتبس من كتاب مدرسة الصوم



مدرسة الصوم
اللهم أهله علينا بالأمن والإيمان ِوالسلام ِ والإسلام والتوفيق ِ لما تحبه وترضى . ربُنا وربك الله.
اللهم أجعله هلال خير ورشد.
اللهم إني أسألك من خيرِ هذا الشهرِ وخيرِ القَدَرِ , وأعوذ بك من شرَّه .
مدرسة الصوم

لا تحسبوا أيها الناس أن المقصود من الصيام , هو هذه الأيام المعدودات , التي تأتينا كل عام , ثم تنتهي , وتعود بعدها للناس حياتها الرتيبة , يعبون من شهواتها عبا, لا يبالون بمال من أين اكتسبوه ولا طعام سحت كيف أكلوه .لا فما لهذا شرع الصيام (وسبحان من تنزه عن العبث في تشريعه) .
ما شرع هذا الصيام لشهر , ولا لعام , لا , بل ولا للحياة فرد , ولا لنظام أمة خاصة , ولا لجيل من الناس يعمر ما يعمر ثم ينقضي , بل هو شريعة الإنسان في سموها , ودينها عند كمالها , ينظم عقد الإنسانية الذي إنفرض , ويجمع شملها الذي تفرق , ويوحد بينها في الشعور والإحساس - وما أشبه الصوم للإنسانية (بالدينامو) الذي ما فتيء يمدها بكهربائه فيضيئ لها  على الدوام سبل الحياة الرشيدة ومتى شحنت النفس بتيار الإيمان وتربى معها الضمير الحي سلكت في سيرها العملي طريقاً سوياً لصالح الفرد والجماعة .
فكل ما يظهر في الأمم والأفراد من أعمال , إنما مصدرها نفوسهم , وعلى قدر ما تحمل هذه النفوس من صفاء وإشراق , بقدر ما تمنح ذالك للناس بردا وسلام.
الصوم يخضع من كبرياء النفس ويمسك بناصيتها –ومن الميسور على النفس إن لانت تسرع في سائر نواحي الطاعات , وصدق الرسول القائل ((ان في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب )) أخرجه البخاري ومتي شاهدت جدباً في أرض أعمال الناس الطيبة , أو ملوحة في أنهار البذل والإنفاق أو أبصرت أشواكاً في الناس وكلاليب وذئاباً , فأعلموا أن هذا الظاهر النجس الدنس إنما مصدره , جدب النفوس , وملوحة القلوب , وغلظة الأفئدة .
الصلاة بطهارتها وأعمالها ومواقيتها , وجمعتها وجماعاتها – والزكاة بما فيها من بذل لشقيق الروح وانتقاص من المال للسائل والمحروم , والحج بما فيه من تعب السفر في البر والبحر , وإنفاق الغلي , والجهاد في سبيل الله بويلاته وأهواله وصبره وجلاده , ومعاملة الناس بالحسنى , والانتصار للحق , والغضب لله , والرضى لأجله –كل هذه المظاهر تحتاج لقلب مؤمن ونفس راضية فاهمة
ولعلكم فهمتوا الآن خطورة الصيام وتغلغله في سائر نواحي الدنيا والآخرة , ولهذا حثنا الله على الإكثار منه في سائر أيام العام , وفي الأسبوع يومان , وفي الشهر ثلاث أيام , حتى يكون هذا الصوم الفرعي مذكراً بمركزه العام وشهر رمضان وما أشبه صوم النوافل بالتمرينات المناورات العسكرية , لئلا ينسى الجنود _ فالإكثار منه يبقي الفضيلة التي اكتسبناها من رمضان غضة طرية , ولا يبليها طول العهد وتقادم الأيام , وسبحان من سوى في الصيام بين الفقير والغنى , لأنهما أحوج ما يكونان إلى النفس الكريمة التي تدفع بطر الغني ويأس ألفقير وخنوعه , فتحد من جشع الأولى وترفع من انحطاط الثاني , وهنا تتقارب الطبقات وتقل الحواجز التي أوغرت الصدور , ويحيا الجميع في سلام ووئام وصدق الله العظيم
((سورة البقرة ( شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ
((سورة البقرة ( شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ((


ما أعظمه من شهر واحد في العام الحكيم العليم في معهد الإسلام , وأدخل فيه عباده المؤمنين ليصوموا نهاره ويقوموا ليله وليعمروا موسمه بالدرس والعمل المثمر لصالح الفرد والمجموع فما أشبه بمدرسة يقوم طلابها بتلقي علوم الأخلاق المثالية على يد أساتذة مثاليين ليتخرجوا آخر الشوط رجلا ونساء نمازج بحق فيصدقوا ما عاهدوا الله عليه ويكونوا أشبه بملائكة يمشون على الأرض مطمئنين . 

ومن هنا حق للجنة أن تتزين من الحول إلى الحول لدخول شهر رمضان , وحق لنبي الإسلام عليه السلام أن يوصي بالصيام قائلا 
((
انه لا مثل له , وإنه جُنة يقي صاحبه من النار ))- روهما ابن خزيمة في صحيحه – وما تلك الوقاية , إلا إخماد الصوم لجزوة النفس الأمارة وقمعه الوسواس اللعين , وذالك هو الحصن من النار . 
كيف لا , رمضان هو الزمن الذي اصطفاه الله تعالى لإنزال القرآن , وأفيضت فيه على البشر هداية الرحمان وأشرقت شمس الدستور الخالد فبددت الظلام 
<<
هو الذي ينزل على عبده آيات بينات ليخرجكم من الظلمات إلى النور وان الله بكم لرؤف رحيم>> 9 (الحديد) 
فتحتم على المسلمين صيام هذا الشهر بخصوصه إحتفالاً بذكرى بدء إتصال السماء بالأرض , والروح الهادية بالمادية الطاغية , وشكر لله الذي تفضل على عباده فمنحهم فيه هدية الذكر الحكيم الذي يهدى للتى هي أقوم فنزول القرآن في رمضان نعمة كبرى , والصيام هو الضريبة المفروضة لأداء الشكر عليها , فإذا لم ينتفع المسلمون بنعمة الهدى الرباني  وفريضة الشكر عليها فأبعد بهم عن دينهم , ومن هنا صح الحديث ((من لم يغفر له في رمضان فمتى ؟ )أخرجه الطبراني في الأوسط وأبو النعيم في الطب النبوي
أن نبي الإسلام عليه الصلاة والسلام أوجز فوائد الصوم الخاصة والعامة في كلمة جامعة حيث قال ((صوموا تصحوا )) وهي لفظة قلة مبناها وعظم معناها ورو ائع الحكم فالصحة التي أفادت في الحديث أنها من أثار الصوم هي يحرص عليه كل فرد وكل أمة , وما هي إلا السلامة والعافية في كل شيء من 
الجسم , وفي العقل , وفي الروح وفي المجتمع وبيان هذا في المشاركة القادمة بإذن الله



آثار الصيام في صحة الأبدان

أما آثار الصوم على الجسم فقد أثبت أهل الذكر من الأطباء أن من حكم الصوم الأساسية إعطاء أجهزة الجسم عامة والجهاز الهضمي خاصة بعضاً من الراحة تستجم فيها ويتخلص الجسم خلالها مما قد يكون قد أصاب أجهزته من بدانة أو احتقان , والجسم كأية آلة ميكانيكية يحتاج لفترة من الراحة تهدأ فيها أجهزته وأنسجته وخلاياه وتأخذ الفرصة للتخلص بما تراكم فيها من نفايات , وما رسب فيه من أملاح , وما حل بخلاياها من إنهاك , ولا شك أن الناس قد تعودوا الإنكباب على الملذات , والتهام ما اشتهوا من شراب وطعام ,غير عابئيت بعواقب الإفراط , وكثيراً ما أدى ذالك إلى البدانة المرهقة وسبب الحصوات البولية واحتقان الكبد وآلام المفاصل والبول السكر, كما يؤثر في الأجهزة العصبية والعضلية , فيشعر المرء بالصداع والتعب والفتور والخمول وميل إلى النوم , ولا ريب أن شهر رمضان إذا أتبع فيه الصائمون التعاليم الصحية وامتنعوا عن المغالاة في تناول العديد الدسم من ألوان الطعام في إفطارهم وسحورهم , فمن المؤكد أن ينتهي بهم ذالك إلى التخلص من جميع ما يكون قد أصاب أجســـامهم , فيعودون أكثر نشاطاً وأوفر صحة, إذ بالصوم تنشط أجهزة الجسم وخلاياها وينتظم إفراز الغدد فيزداد الذهن حدة والنظر قوة وتصبح مقاومة الجسم لأي مرض طارئ أقوى وأتم
وقد تنبه الأطباء على فائدة الصيام في كثير من الأمراض فهم ينصحون به الآن لمرضى البول السكري , وارتفاع ضغط الدم , وأمراض الكلى , وأمراض الكبد وجميع الأمراض التي تحدثها حموضة الدم, بل أن بعضهم ليحتم الصوم حتى للأصحاء يوماً أو بعضه كل شهر
ومن آثار الصيام وحكمه أن رمضان لا يقع في فصل واحد من فصول السنة ولكنه يختلف فيها جميعاً على مدار السنين . وبذالك يتعود الإنسان على تحمل الصيام في مختلف فصول السنة ويصبح قادراً على الاحتمال ومكافحة الجوع ومغالبة شهوات النفس في أي طقس أو جو , فيصلب عوده وتقوى نفسه

وصدق نبي الإسلام في قوله الصادق :(صوموا تصحوا )ولله در القائل <<  البطنة  رأس كل داء والحمية رأس كل دواء >&g




لقد رأينا رأي الطب في فوائد الصيام على الجسم, ومعلوم أن سلامة العقول من سلامة الأبدان , والحكمة تقول : << العقل السليم في الجسم السليم >> ولن تظفر من إنسان عليل , بفهم صائب ولا رأى سديد , فالصوم يفيض على العقل إشراقاً وصفاء , يستطيع به تمييز الخبيث من الطيب , والضار من النافع فتحلق الروح في آفاقها العلوية تتلمس النور من سمائها المشرقة , وتتلقى فيوضات ربها , غير ممنوعة بمادة ولا محجوزة بصارف, تتفهم عن الله ما أراد , سباقه إلى مرضاته .
وللصوم في تربية النفس على ملكة الصبر الأثر الذي لا يجحد فان عبداً يمكث الســــــــــاعات الطويلة _ وقد يكون الصوم صيفاً_ صابراً عن تناول شهواته مع شدة شغفه وميله أليه , ومع وفرة الفتن وكثرة المغريات , لا شك أنه بالمصابرة مع نفسه على هذا الحال شهراً كاملاً , يصبح الصبر لديه طبعاً راسخاً وخلقاً أصيلاً --- وملكة الصبر أم الملكات الأخلاقية فلا يقوى على التنقل والكفاح في الحياة إلا صابراً ولا يغالب الأيام إلا صابراً ولا يصل إلى الحقائق العلمية إلا صابراً ولا يستطيع كشف أسرار الوجود بالبحث والتفكير إلا صابراً ولا يجود بنفسه وماله إلا صابراً ولا يعبد الله حق عبادته إلا صابراً , قال كرم الله وجه (( الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد )) وفي الحديث (( الصوم نصف الصبر , والصبر نصف الإيمان )) أخرجه الترمذي والبيهقي وأبو نعيم والخطيب بسند حسن .
وللصوم أثره في أجاد الطمأنينة في النفس , والاستقرار , وعدم ذهاب العقل شعاً مع أي مفاجأة ( وما أكثر المفاجـــات والدهر قلب ) فلا تنزع النفس بترك ما ألفته , ومخالفة ما أعتادته , فهي تقبل طعام الصباح في المساء وطعام المساء في الصباح , وتصبر على الظمأ في الحر , والجوع في القر , لتأليف الصدمات إذا ما انتابتها , وقوى على الحوادث إذا نزلت على غير توقع (( وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم))



الصوم يربى النفس على مراقبة الله في كل حال , ويعود صاحبه على الإخلاص في أداء الأعمال , لا يبتغي من ورائها إلا ربه ودينه ووطنه والصالح العام , فإن الصوم سر بين العبد ومولاه يستطيع المرء أن ينافق فيه , وأن يظهر منه للناس خلاف ما يبطن , فإذا ما أداه العبد مخلصاً مستوياً سره مع علنه , وكبح جماح نفسه بعزيمة ثابتة لا تتبدل ولا تتغير , ولا يمسكها عليه رقيب غير وازعه الديني وضميره الإنساني , إذا ما فعل ذالك فقد صان الأمانة , وصار من الله في مكانه الرضي , وإذا أدرك الإنسان هذه القوة من الإرادة العملية فقد أدرك أجل منزلة اجتماعية دينية سامية , فتراه يسير في الحياة قوياً غير متناغض يؤدي حق وطنه كوطني متحمس , وهو كمسلم يقوم بأداء حق الله على ما أراد ربه
وأي فضيلة أفضل من أن تكون شهوات الإنسان تابعة لسليم أفكاره مستسلمة للضمير الحي , موافقة للقانون الديني ,الذي ملك نفسه واستولى على مشاعره , فصار يحيا به وله وفيه , ورحم الله المؤمن , الذي أغراه إنسان على معصية الله قائلاً له : (( انه لن يرانا إلا الكواكب )) فقال المؤمن المراقب لله : أنت نظرت إلى الكواكب ولكن أين مكوكبها ؟ ذالك بأن الصوم وديعة الله يجب أن تؤدى على أكمل وجه وفي الحديث
 
ان الصوم أمانة فليحفظ أحدكم أمانته )) أخرجه الخرائطي بسند حسن
إن المجاهد من جاهد نفسه وهواه . وشيطانه ودنياه , فإن الانتصار على عدو الميدان أمر في متناول الكثير فما هو إلا طعنة أو طلقة يموت صاحبها بعدها فيستريح ويلقي الله شهيدأ مكرماً أو يموت بها عدوه فينال أجره , وما أكثر الذين يقدمون الموت راضين بل مسرعين , أما هذه العداوة الذاتية فهي من باطن الشخص وداخله تشاكسه وتفتنه وتناوئه وتحاربه , وكم لاقى ابن آدم من تلك الجهات الأربع ما لاقى من عنت
ونصب
إني ابتليت بأربع ما سلطوا @@@إلا لجلب متاعبي وعنائي
إبليس والدنيا ونفسي والهوى @@@كيف النجاة وكلها أعدائي

فالجهاد الأكبر هو جهاد هذه الشرور , المنبعثة من هذه النواحي , والانتصار الساحق هو الانتصار في تلك الميادين الحاسمة وبهذا تعلموا مزية الصوم الذي هو انتصار تام على عوامل النفس ووساوس الشيطان وفتن الحياة الفاتنة ومن الأحرى أن يكون الصائم المنتصر أكبر نصر على سائر الشرور الأخرى , وصلى الله على من قال(( المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده , والمؤمن من أمنه الناس على دمائهم وأموالهم , والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه((


آثار الصوم في صحة المجتمع
كل مجتمع مكون من أفراد, كالقصر مكون من لبنات , وعلى قدر سلامة البنات وقوتها تكون سلامة القصر وقوته , فما الكل إلا من البعض –ومتى سلمنا بآثار الصوم في الفرد جسمياً وعقلياً فقد سلمنا بآثاره العظيمة كذالك في المجتمع , وحسب المجتمع عزاً ونصراً أن يقوم بنيانه عى أفراد صحت أجسامهم وسلمت عقولهم , وأن يرتكز على جمـــــاعات صار الصبر ديدنهم وقوة النفس طبع لها, وأصبحت الإرادات الماضية شأنها في كل ما تقوم به , وما أحوج الأمم إلى الصبر والمصابرة , والإرادة التي لا تهن ولا تساوم على حق وإذا زعماء الدول ينادون الآن بضرورة الاكتفاء بسياسة التقشف والحرمان من كثير من المتع , لما أصاب البشرية من عوز , نتيجة لاختلال العقول وفشل النظم فما أجمل رمضان من معلم لهذه الأخلاق القوية وحامل لصائميه على التخلق بها عملياً وملاقاة الشدائد بصبر وقوة يقين .
إن الصوم يفرض على الناس جميعهم غنيهم وفقيرهم , عظيمهم وحقيرهم , عالمهم وجاهلهم . يمتنع مئـــــات الملايين من المسلمين في وقت واحد عن الطعام والشراب فكأنه فقر إجباري يتساوى فيه من حيزت له كنوز قارون من ملك شيئاً يسيرا, ومن لم يملك شيئأ . وهذه مساوة بين العالم الإسلامي تشعره بوحدة الهدف والفكرة والمشاعر وتقارب بين هذه الملايين المنبثة في أقطار الأرض في وقت الأخذ والترك وعند العطاء والحرمان , قال بعض الفضلاء : كأن الصوم قانون عملي لإصلاح الصفات الإنسانية في الأغنياء ... تلك الصفات التي أفسدها اللين والنعمة والترف . ثم هو قانون عملي أيضا يصلح ما أخل به الفقر من صفات الإنسانية بالفقراء ,ويحمل الجميع على ذالك فيستوي الغني والفقير ويتقارب بعضهم من بعض فيشعرون بألم واحد ويحسون بإحساس واحد , فيتعاطفون ولا يتنازعون ويتقاربون
 ولا يتباعدون , وهنا تتحقق الاشتراكية الإسلامية الفاضلة بفضل الصوم


لو أمعنا النظر في أمر الناس واختلافهم وتباين مذاهبهم تجدهم لا يتلفون في شيء واحد وهو سبب الداء والنكبة و النكباء , ذالك هو تحكم البطون في عقول الناس ومشاعرهم وإحساسهم وعواطفهم فمن البطن نكبة الإنسان , وناهيكم إذا اشتد جوع المرء ثم ضوعف هذا الجوع ببطن زوجته الجائعة ثم ازداد مضاعفة ببطون أولاده , فكأنه جائع ببطون متعددة ,وهنا تأتي الثورة التي لا تبقي ولا تذر .
قال أحد الكتاب : إن للبطون فلسفة تطيح بسائر الفلسفات وان الدنيا تموج بتلك الحيوانات التي تعيش لتأكل وان للقمة مكانتها المرموقة في تاريخ البشر ثم قال : ويعجبني (جيبسون ) إذ يقول : ((الحياة بكل آمالها وآلامها وبكل مباهجها ومآسيها تتجه إلى هدف اسمه الرغيف )) ثم قال : وقال (مترلنك) : ((أتريدون أن تغفلوا نصف المحاكم وتوفروا نصف الضرائب والاتاوات ؟ إذن فحلوا مشكلة القوت اليومي )) ومن هنا جاء الإسلام بفريضة الصوم ليهذب أحكام هذه البطون على الأرض ويدربها ويروضها , ويضع الناس تحت طبيعة واحدة وحس واحد وقانون واحد محكم متين .
وما أجل مشروعية صدقة الفطر عقب رمضان أو فيه فهي تطبيق للعلم على العمل , والبذل من النعمة بعد أن ذاقت النفس مرارة العوز والحرمان , وشعرت بما عليه حال الكثير من البؤس والحاجة , والغنى كما يقولون : (( تاج على رءوس الأغنياء لا يراه الفقراء ))(( وبضدها تتميز الأشياء ))وقد قالوا (( لا يدري طعم الفقر من هو في غني))وان في الحرمان من بعض الشهوات على ما فيه من مرارة صهر الأخلاق وترويض النفوس على فضيلة الجلد والاحتمال ,فبالصوم تكون الإنسانية كلها في مشارق الأرض ومغاربها تعمل عمل الروح والخلق , لا عمل الجسم والمادة , فيقوم الإخاء الإنساني وتنشأ الرحمة التي مصدرها الألم الواحد,فلا ينظر الغني للفقير نظرة احتقار وامتهان , ولا ينظر الفقير إلى الغني نظرة حقد وتربص وبغضاء إذ قد عطف الواجد على الفاقد , وأدى إليه , ما فرضه الله عليه من حق عن رضى  وإيمان



 .
 .